يكتب بيمان صالحي أن قرار مجلس الأمن الأخير المدعوم أمريكياً حول غزة يشكّل لحظة متناقضة في أزمة ما بعد أكتوبر 2023، إذ يمرّ القرار بأغلبية واسعة بينما يرفضه الطرفان الأكثر صلة بنتائجه: إسرائيل وحماس. يفوّض القرار إنشاء قوة دولية مفتوحة المدة لتثبيت الأوضاع في غزة، ويضع القطاع تحت صيغة حوكمة انتقالية تديرها أطراف خارجية لوقت غير محدد.
يشير ميدل إيست مونيتور إلى أن الهندسة السياسية التي سمحت بمرور القرار تعكس منطقاً أعمق: دفع الولايات المتحدة نحو وصاية سياسية تسعى إلى تجميد الصراع عند مستوى يمكن التحكم فيه، لا إلى إنهاء جذوره.
إسرائيل وخسارة السيطرة المنفردة
يكشف الموقف الإسرائيلي عن جوهر التحول. ورغم احتجاج تل أبيب على بنود عدة، امتنعت عن استخدام ورقتها الأقوى: الضغط على واشنطن لاستعمال الفيتو. يتولد الغضب الإسرائيلي من خسارة السيطرة المنفردة على تحديد شكل الأمن في غزة، بعدما ظلّت الحكومات المتعاقبة تدير القطاع عبر الحصار أو التدخلات العسكرية أو تفتيت البنى السياسية الفلسطينية. إدخال قوة دولية يقيّد قدرة إسرائيل على رسم قواعد اللعبة الأمنية وحدها، ويضيف رقابة خارجية لا تقبلها تل أبيب إلا تجنباً لصدام علني مع واشنطن. إسرائيل تعارض القرار، لكنها تعارض القطيعة مع الولايات المتحدة بشكل أكبر.
حماس وإزاحة شاملة عن الحكم
تواجه حماس تهديداً وجودياً أعمق. يشير القرار إلى نهاية واقع حكمها الفعلي لغزة القائم منذ 2007. وينقل الإشراف اليومي على الأمن والإدارة وإعادة الإعمار إلى قوة دولية بلا معايير خروج واضحة، بما يعزل الحركة عن المعادلة السياسية من دون بناء إطارٍ بديل ذي شرعية تمثيلية. أي انتقال سياسي قابل للاستمرار يحتاج إلى قبول فلسطيني وإرادة محلية، بينما يتجاوز القرار هذه الأسس ويتصور قطاعاً “مستقراً” تُستبعد خلاله القوى الفلسطينية أو يُعاد دمجها في أطر خارجية لا تعكس موازين القوة ولا جذور الصراع.
تحتفظ روسيا والصين بحسابات مختلفة، إذ تكشف امتناعاتهما عن التصويت عن توازن دقيق: عدم تحمل مسؤولية فشل المبادرة، وعدم الظهور كمعرقلين لاستقرار غزة، وفي الوقت نفسه عدم منح الشرعية لمشروع يعزز الإدارة الأمريكية للصراع. الاختيار يعكس موقفاً وسطاً يترك واشنطن تتحمل عبء التنفيذ وحدها.
وصاية بلا أفق سياسي
المشكلة الأساسية ليست في أهداف وقف العنف أو إعادة الإعمار، بل في البنية السياسية التي يتصورها القرار: حضور دولي مفتوح بلا سقف زمني ولا مسار واضح لتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم، ولا التزام بإزالة الشروط التي صنعت النزاع. في العلاقات الدولية المعاصرة، يغدو “الانتقال المفتوح” واقعاً دائماً، ويتحوّل دور القوة الدولية إلى سلطة حكم فعلية تزيح الوكيل الفلسطيني وتكرس النفوذ الأمريكي.
هذا المشهد يثير قلق القوى الإقليمية الداعمة لمحور المقاومة، التي ترى في القرار تدخلاً لإعادة تشكيل التوازن في غزة تحت إشراف واشنطن. يؤدي إقصاء حماس من الحكم من دون خلق إطار فلسطيني جامع إلى فراغ قد يملؤه مزيد من التفتت أو المقاومة، ويجعل القوة الدولية أداة تنظيم مؤقت لا تنتج استقراراً حقيقياً. كما يُنظر إلى الوجود الأمني الأمريكي في غزة كامتداد لمحاولة أوسع لإعادة صياغة الإقليم عبر مركزية أمريكية تتجاوز الفاعلين المحليين.
لا يقترب القرار من معالجة مسألة السيادة الفلسطينية ولا من اختلال القوة بين الاحتلال والشعب الواقع تحت الاحتلال. ويسعى إلى إدارة الصراع عبر آلية دولية بدل إعادة بنائه سياسياً. أي وقف لإطلاق النار بلا عملية سياسية يعيد إنتاج الأزمة ويحوّل “الاستقرار” إلى غطاء لإدامة الاختلالات.
غياب الحل وعودة الوصاية
يبرز القرار كخطوة نحو تدويل إدارة الصراع تحت إشراف أمريكي، لا كمسار حقيقي نحو سلام. ويستلزم أي مستقبل مستقر لغزة عملية سياسية يقودها الفلسطينيون، وتعترف بالواقع الإقليمي وبالهياكل العميقة التي صنعت هذا النزاع لعقود. من دون ذلك، يستطيع وجود القوة الدولية تجميد خطوط النار، لكنه لا يخلق شروط الحل العادل أو المستدام.
https://www.middleeastmonitor.com/20251120-why-the-new-un-resolution-on-gaza-signals-a-us-led-trusteeship-not-a-path-to-peace/

